الصفحات

Wednesday, January 9, 2013

التسلل في العواطف


 التسلل في العواطف

سهى بطرس قوجا

الإنسان دائما يهمُّ بالبحث عن حالة من التوازن في حياتهِ، حالة تجعلهُ يعيش الحياة التي تتلاءم مع تكوينهِ وتشعرهُ بشعور الغبطة والاستئناس، حالة تجعلهُ يشعر بروحهِ ومكنوناتها. وهذا جميل بأن يسعىّ إليها بنفسهِ لإيجادها وإيجاد ذاتهِ والشعور بها والسكنى والاستقرار فيها، ولكن إن كان يحاول هذا عن طريق الآخر وعلى حساب نفس ذاك الآخر ومشاعره، فهنا ما هو ألا تسلل هادئ ومؤلم داخل أخوار النفس لتعيش بعد ذلك في ظلام وتخبط وانعدام قرار وسعادة!  

الإنسان أن لم يحاول بنفسهِ وبقناعاتهِ أن يُجمل هذه الحياة، فلن يراها أبدًا جميلة وتستحق أن يعيشها ويعرف كيف يتأقلم مع إنسانها، وهذا الشعور بجماليتها يأتي بالدرجة الأساس من شعوره بحب الآخرين وحبّ ذاتهِ، بمشاعر حقيقية وصادقة غير مُزخرفة بكلمات كثيرة مُجملة بالكثير من الحماس والإيثار، لأن من يلجأون إلى هكذا أساليب هم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن العواطف الصادقة، هم في الواقع يرسمون عواطفهم كيفما يريدون بدون إحساس وروح بفرشاة فقط تحمل لونًا واحدًا، أي بمعنى يحاولون عيش الإحساس الوهمي والزائف في محاولة للبحث عن الحقيقي وإيجاده، من خلال التسلل إلى عواطف الآخرين؟!

في وقتنا الحالي عندما تستمع إلى بعض نماذج شباب اليوم، تلتقط من بين كلماتهِ، كلامًا قد وجه إلى أكثر من فتاة! لا نعرف سبب ذلك هل هو الانفتاح المُمارس بطريقة خاطئة أم الفهم الخاطئ للحرية أم هو تسلية وقتية أم حيرة وتذبذب في الاختيار؟! أم يكون البحث عن الأفضل! وهكذا يكون نفس الحال أيضًا لبعض نماذج الفتيات! يحاولون البحث عن المُكمل لهم في حياة الآخرين، بأساليب شتىّ في سبيل الوصول إلى الذي ترغبهُ ويكون الأفضل.  

يقول: نظراتها العميقة والساحرة هي من ابتلتني بها، وبشرتها السمراء هي من رمتني في بحر هواها، فتملكني حبها، ولكن لم تكمل السنة، ألا وقد وجدتها قد تركتني لتمسك بيد آخر! هكذا تسللت بخفة خطواتها إلى قلبي وتملكت مشاعري ومن ثم بعثرتها وعبرتها بكل ما أُتيت من قوة، غير آبهة بي؟!

هذا هو حال الكثيرين، ينجرفون ويندفعون وراء الكلام المعسول وبمشاعر جامحة لا تعرف أين وجهتها وأين مصبها؟! كثيرين ينساقون وراء الأوهام، يعيشون فقط تلك المشاعر المولودة في لحظتها والغير مُكتملة النضج والوعي! وعند تقلص تلك المشاعر ورحيلها وفشلها، يتسألون ويعطون لها مُبرراتها الافتراضية والتي ترضيهم أو تشبع حيرتهم كمحاولة فقط لإقناع النفس مؤقتًا. عجز الرجل مُستقبلا عن حب الفتاة والإخلاص لها يكون آتيًا من تلك الفكرة الأولية المُتكونة في ذهنهِ عنها والمأخوذة من أخرى ذوقته تجربة حبّ فاشلة، مما يؤدي بعد حين إلى مأساة وتحطم حياة وفقدان الثقة، ومن ثم عيش حياة فارغة يتسلل الملل إليها رويدًا رويدًا وربما قد يكتب لها نهاية! لأن رصيدها في بنك الحياة لم يكنْ سوى تجربة مُتعثرة قصيرة غير مُكتملة النضج، وألم نحت لنفسهُ في أعماق من عاشها مكانًا!    

فالعواطف الصادقة تأتي من الإنسان نفسهُ ومن مُوازنتها، بحيث تعيش الاكتفاء والاحترام المُتبادل والنضج بدون أوهام وانسياق وراء كلام يحمل الكثير من الكلمات الفارغة والخالية من النبض الحياتي، ومن تلك النظرة الطابعة في الأذهان والخاطئة من تجربة فاشلة مُعاشة. فالعواطف لابد أن تكون نابضة بمشاعر إنسانية حيةٍ، تشعر سامعها بها ويُعيشها في داخلهِ لتعيش وتكبر في أعماقهِ، بالكلام الجميل الغير مزخرف، وبالبساطة والصدق والأمانة التي هي علامات للعواطف الحقيقية والحية مدى الدهرِّ. وكلمة واحدة صادقة ونابعة من الأعماق تُغني عن الأكثر الكثير.    

Sunday, January 6, 2013

الزوجة الثانية .... لماذا؟


الزوجة الثانية ..... لماذا؟

سهى بطرس قوجا

هكذا تبدأ  حكايتنا، أسرة صغيرة في منتصف مشوار حياتها، كانت سعيدة، تنعم بالاستقرار والوفاق النسبي. وفجأة وفي أحد الأيام أفاقت على كابوس مُزعج أسمه (الزوجة الثانية) هزّ كيانها وبعثرها، الأب في جهة والأم والأولاد في جهة أخرى. أنها مُعاناة الكثيرات!

لا نعرف ما الدافع لدى الرجل لجعلهِ يبحث عن إمرأة ثانية في حياتهِ؟ هل هو لأنهُ بحاجة إلى زواج ثاني؟ أو أنهُ إهمال وتقصير من زوجتهِ دفعهُ للبحث عن أخرى؟ أم أنهُ كان يبحث عن نفسهِ الضائعة في أخرى؟! أم هو: غرور، وأنانية، واستحواذ، ومصلحة، وكسر للروتين، ومرحلة المراهقة الثانية! أم هي حبُّ في التغيير والتجديد؟!

علامات استفهام وتعجب كثيرة تبادر إلى أذهاننا، مُحيرة، مرفوضة، ومقبولة من البعض. أطفال أبرياء، ونساء مظلومات ومُشتتات. والمرأة سواء كانت الأولى أو الثانية في حياة الرجل، فهي في النهاية ضحية لأنانية الرجل وانتهازيتهِ.

ضحيتهُ، لأنها قبلت أن تكون زوجة ثانية في حياتهِ، وقعتْ في فخهِ، وصدقتْ كل ما قالهُ لها من أن: زوجتهِ مُجرد شكل اجتماعي، وأنا غير مرتاح معها، وهي غير مهتمة بي، والتفاهم بيننا معدوم، ونكدية، وتحاسبني على كل صغيرة وكبيرة وكأنني طفل صغير. ولكن عندما التقيت بك أنتِ وجدتُ فيك سنين حياتي القادمة، أنتِ شخصية فريدة، متفهمة، متزنة، وجدت فيك أملي الضائع وسعادتي، وأنت الوحيدة التي دخلتي قلبي ....الخ. اسطوانة مشروخة وكاذبة في سبيل الوصول إلى ضحيتهِ، شخصية خادعة ومريضة نفسيًا تستغل نقاط ضعف الآخرين، وليس لها ضمير، ولا تراعي أي حقوق. يوهمها بكل هذه الأمور، واصفًا إياها حياة عسلية! لكنهُ في باطنهِ انتهازي، وصولي، أناني، يملك شخصية ضعيفة جداً وغير مسؤولة، بمُجرد أن واجهتهُ مشكلة مع زوجتهِ أو لم تواجههُ، نراهُ يتهرب إلى حضن أخرى.


حجتهِ للزواج من أخرى:

هنالك حالات يحق فيها للرجل الزواج من إمرأة أخرى، خاصة في حالة وفاة زوجتهِ الأولى أو في حالة عدم الإنجاب، وفي حالة طلاقهما. ولكن هنالك من الأزواج من يبحث عن أخرى في حياتهِ لأسباب غير التي ذكرناها، كثيرة لا حصرّ لها، يُبررها بطريقتهِ وبأسلوبهِ الخاص وباقتناعهِ الشخصي، مُبرراً ومُلقيًا اللوم في فعلتهِ هذه، أكثر على زوجتهِ، وكأنهُ هو كامل، وملاك معصوم عن أي خطأ! رجالٌ باحثين عن أخرى في حياتهم، وحجتهم إن زوجتهِ تعطي كل اهتمامها وأولوياتها للأولاد ولشؤون المنزل والتنظيف وأعداد الطعام،  ولا أجدُ منها غير الإهمال وعدم الاهتمام بنفسها.

أو تكون حجتهم، أن زواجهُ الأول كان غلطة، والفتاة لم تكن من اختياري بلْ من اختيار الأهل، أو البعض يقول: عندما تزوجنا وجدتُ فيما بعد إن الإنسانة التي تزوجتها لا تتوافق مع أفكاري وتطلعاتي، وغير مثقفة بما فيه الكفاية وتشعرني بالإحراج، وليس لديها الخبرة الكافية في تكوين عائلة وتحمل مسؤوليتها. أو إن الزوج يلجأ إلى اختيار أخرى في حياتهِ، لكي يتخلص من النكد والروتين والملل المُسيطر على حياتهما، أو إن زوجتهِ غيورة ولا تُحتمل ودائما شكاكة ومُضطربة وتجعل حياتي معها مُضطربة......الخ.

حجج واهية لا أساس لها، ومُسلسل لا تنتهي حلقاتهُ! أنها الحياة بين أثنين رجلٌ وإمرأة، بينهما حكايات طويلة لا تُعّد ولا تُحصىّ!  وجميعها تبرز جانب واحد وهو الرجل ومصلحتهِ! نعم الرجل، الذي يفكر من مُنطلق مُنفرد بذاته هو! غير مُبالي بزوجتهِ وحياتها واختيارها وعمرها والسنين التي قضتها معهُ، والألم الذي ستشعر به، وكرامتها وكبريائها، ومصير أولادهما وحياتهما. لا يقول لنفسهِ: أين هي من كل هذا؟! هل هذه هديتي لها؟ هكذا تكون مكافأتي لها؟  

ولكنهُ للأسف نظر للأمر بسلبية ومن مُنطلق مصلحتهِ الشخصية. مُخرجًا نفسهِ من هذه الدوامة بالبحث عن أخرى، إلى بديل يُشبعهُ، إلى تنوع، لأن النفس تشتهي وتتذوق كل ما ألذّ وطابّ!  وهذا ما يفعلهُ، باحثًا عن راحتهِ، باحثًا عن سعادتهِ على حساب تعاسة إنسانة أعطتهُ ربيع عمرها وزهرة شبابها! ولكن أين الذي يقدر هذا ويوازنه بين كفتيهِ؟!  ولو كان قد فكر بإيجابية قليلا وبمُوضوعية، لوجّد إن هذا الطبيعي، وإن كانت زوجتهِ تهتم بأمور منزلهِ، فمن المفروض أن يسعدهُ، لأنها أمينة على منزلهِ وتربية الأبناء ومُتابعة شؤونهم وأما أن كانت تغار عليه وتشك فيهِ فهو السبب في هذا وهو من يدفعها إلى هذا بتصرفاتهِ، لأنهُ من النساء من تكون غيورات بشدة على أزواجهنْ.

فإذا كُنت بعد سنتين أو سنوات من زواجك، ترى في زوجتك كل هذه الصفات وغير راضي عنها وتنتقدها من كل زاوية، فما الذي ستجدهُ في أخرى من نفس الطينة! فالزواج من ثانية بغير سبب منطقي ومقبول، مرفوضًا تمامًا وأنانية، ومن أساسهِ خطأ، لأن ما بُني على فشل فمصيرهُ إلى الفشل، ومن يبحث عن ثانية سيبحث عن ثالثة وهكذا. والمُتضرر الوحيد من هذا يكون الأولاد والزوجة، والمرأة الأخرى التي قبلت أن تكون رقم في حياة رجلٌ. زواج من بدايتهِ يكون خطأ، لأنهُ يؤدي إلى تفكك عاطفي ومن ثم أسري وتشتتْ، والى مُشكلات اجتماعية.

ولكن لو كان هنالك ثقة مُتبادلة وتفاهم وحوار ونقاش بناء بين الزوجين في كل أمور حياتهما، وفيما يتعلق بالمشاكل التي تخصهما، لكانا جنبا الكثير والكثير، فليس كل شيء في الحياة مُعالجة غلطة بغلطة، وليست المرأة لعبةٌ، أو سلعة تستهلكها وعندما تلاحظ أدنى خطأ منها  أو تملُ منها تهملها وترميها. أنها روح الكون وهي من تعطيك الحياة، وتبعث فيك السعادة، وألا لمْا كنت تبحث عن منْ يُملي فراغ حياتك. فأنت لك حق على زوجتك، وهي لها حق عليك.