الصفحات

Friday, July 26, 2013

ثقب إبرة

ثقب إبرة

سهى بطرس قوجا
ثقب إبرة أكيد كل شخص يعرف حجمهُ، ولكن ليس كل واحدٍ يعرف أهمية وصفهِ في أمور دقيقة حياتية. ذُكر في الكتاب المقدس (الإنجيل) في قول يسوع المسيح:" مرور الجمل من ثقب الإبرة أسهل بكثير من دخول الغني ملكوت الله" (مت 19: 24)، وهناك حكمة صينية تقول:" أنظر إلى السماء من ثقب إبرة". ونحن نقول أنظر لكل شيءٍ في حياتك من خلال ذاك الثقب الصغير، لكي ترى من خلالها كل شيءٍ كبيرٍ دقيقًا ومضبوطًا.   
هي جميعها دعوات تدعو إلى نبذ الأمور الدنيوية والتمسك بالحياة الآخرة، الحياة الغنية بمحبة الله وتوبتهِ وغفرانهِ، وأيضًا دعوة إلى الأمل والتواصل والتفاؤل والتخلص من كل يأس وهمّ وظلمة، هي نداء للحذر من تكالب الخطوات في متاهات الحياة من خلال الانشغال بالمال وجمعهِ بشتى الأساليب، هي دعوة جميلة للبحث عن نافذة حتى لو كانت صغيرة بصغر ثقب الإبرة، ليطل منها على شروق جديد وخيط أمل يتمسك به، هي دعوة لتذكر الذات وعدم نسيانها! المال نعم ضروري لتسيير أمور حياتنا، هو وسيلة وليس غاية وقيدًا وأسلاك شائكة تفصل الذات عن الجسد وعن الآخرين وتضيعها في متاهات وأزقة الحياة.
يقول:" كثقب إبرة أرى الدنيا الآن وأضيق مما تتصورون وتتخيلون، تهتُ، ابتعدت، خسرت، ضيعتُ، شوهتُ، خذلتُ وخُذلت كثيرًا وبعدها خرجت من كل شيءٍ كانَ بلا شيءٍ يكون، وثقت بالجميع وأحسنتُ ظني بهم بلا حدود، وعلى غفلة فقدت الثقة ومعها فقدت ذاتي! أنها لخسارة كبيرة حين تحسُّ أنكَ مجرد آلة كلما تباطأت في حركتها تدهن بالزيت، تمامًا كالجوع عندما يحل يسد رمقهُ بلقمةٍ! لازلت أبحث عن ذاتي التي تركتني في غفلة من الزمن، فهل من الممكن أن نتلاقى حتى ولو صدفة أنا وهي، أم هي ماضية في طرقاتها بعيدًا عني، بسببي أنا؟!".
فجأة تشعر بأنك أنتَ لست أنت، وكلماتك ليست ملكك، ومجهودك ليس من عملك، وخطواتك تاهتْ منك، تنظر لنفسك في المرآة تلمح إنسانًا آخر، تبحث في أعماقك تجد شخصًا آخر يسكنك! أين أنتَ من نفسك، لا تعرف؟! ترى ما الذي جعلك ترى الحياة بوسعها كثقب إبرة صغير؟! من جعلك تنسى ذاتك وتتخبط في طرقات الحياة وحيدًا؟! من جعلك تعيش الاغتراب مع النفس والغفلة عن الحياة؟! من الذي جعلك تتمنى أن تجتمع بذاتك مُجددًا؟! بالتأكيد تكون أنت نفسك السبب الرئيسي لكل هذا، إن لم يكنْ هنالك من سلب إرادتك وجعلك تعيش الأغتراب والغياب عن الحياة وأنت حيٌّ!   
 ما نفع العالم لو ربح الإنسان كل شيءٍ فيه وخسر نفسه! كل شخص مُحبًا لأمور الدنيا وللمال، يجعل من نفسهِ وفكرهِ عبدًا لهما، مُسيرًا بهما، مكبلاً بأغلالهما، سالكًا طرقاتهم! وبالرغم من كل ما يملك ألا أنهُ يعيش الفراغ مع نفسهِ والضياع وفقدان طعم الأشياء ومعناها! هي ليست دعوة لنبذ المال أو الاستغناء عنهُ كليًا، بل التعريف بأنهُ ليس كل شيءٍ بالحياة، وليست لهُ تلك الأولوية التي البعض يترك كل شيء في حياتهِ حتى أقرب المُقربين إليهِ، مُتمسكًا به. الحياة أجمل وأبسط من ذلك إذا عرف طبعًا كل واحدٍ كيف يجعلها بسيطة ببساطة روحهِ وجماليتهِ.   
عش الحياة دون تفكير وسبق أحداث للغد، كل يوم لهُ تدبيرهُ وكل ساعة لها دقائقها، لا تستعجل ولا تركض في سنينك دون راحةٍ، أشعر بروعة يومكَ، وفكر بعمق بذاتك التي هي بحاجة لك أكثر، هي من تجعلك إنسانًا يعرف ويحسّ بقدرهِ! خصص لها كل يوم بضع دقائق لتتحدث معها وتُجالسها وتحتسي معها فنجان قهوة على كرسي في حديقتك أو تحت ظل شجرة خضراء تتطاير من بين وريقاتها نسيمات هواء رطبة، وتغردّ على أغصانها الطيور أنشودة الأمل والتفاؤل والحياة. وجه نظرك للسماء والى الغيوم التي تتحرك في فضائها لتعلم وتدرك أن الحياة نبض دافئ مُتدفق بأجمل المشاعر الإنسانية، وليس صخر تقع عليك تحطمك، عطر أنفاسك بأريج الزهور لتبتسم ابتسامة ملئ فمك نابعّة من بين ثنايا أعماقك لكل ما هو موجود بالحياة، والذي أنتَ هو أحد هذه الموجودات.

حياة التحدي والخطوة الأسبق

حياة التحدي والخطوة الأسبق
سهى بطرس قوجا

هل يستحق كل ما في الحياة من أشياء فانية كل هذا العناء والعبور الغير مُجدي وسحق الآخرين؟! هل تستحق الإخفاقات التي تعترضك أن تنحني من أجل أمور أخرى؟! هل تستحق روحك وجسدك أن تهلكها من أجل الكثير مما أنتَ تلهث خلفهُ؟! ألا تعلم أن ذاتك وتفكيرك وعقلك والآخر لهم نصيب في كأسك، النصف بالنصف؟! كم مرة عشت الإحباط وكم من مرة عشت الكبرياء والعناد والتعود؟! كم من مرة نظرت لنصف كأسك الفارغ ولم تكلف بصرك مُجرد النظر للنصف المليء؟! لأنك تريد وتريد بدون كفاية واكتفاء بالشيءٍ، تتصارع وتتنافس مع زمانك ويومك وحياتك ومع الإنسان مثالك بدون أن تعرف أن الحياة غالبًا ما تلوح بالوداع فجأة على غير ميعاد!
بالتأكيد تُدرك أن الحياة تحمل الوجهين مثلما كل شيء موجود فيها هو أثنين، لكنها تبقى الحياة والإنسان فيها قد يكون مُخير أو مُسير لعيش وجوهها .... كيف؟!
ضغوط الحياة والإنسان نفسهُ توصل مثيلهُ إلى حدٍ لا يستطيع تخطيه مثلما وصل إليه عندما كان في حالة يأس أو ضياع! (مُخير) عندما يكون بكامل إرادتهِ واقف على أرضهِ بكل ثقة وثبات ويعرف كيف يمشي خطواتهِ واحدةٍ تلوّ الأخرى ويستطيع أن يعطي لكل شيءٍ حقهُ وبالتأكيد نفسهُ أولاً، بمعنى يكون مُتوازن في قراراته وعملهِ وعطاءه وبذلهِ وسعيهِ، وهذا اعتقد هو صعب إن لم نقل نادر، لأن الورد غالبًا ما تخدشهُ الأشواك. و ( مُسير) عندما يسمح للآخر أن يُمليّ عليه ما يريدهُ هو (مسلوب الإرادة)، يعيش عدم المبالاة وعدم الاكتراث وينظر للأمور بسطحية غير معهودة، أنهُ يهمل ذاتهُ ويجد خطواتهِ قد ساقتهُ إلى مُفترق طرق لا يعرف أيهما يسلك، أنهُ يجدّ نفسهُ أسفل الجبل ولا يعرف هل يتسلقهُ أم يبقى حيث هو؟!
إنسان اليوم في ظل ما يصادفهُ من: فقدان العزيمة وتجرع كأس الفشل وفقدان ذخيرة الغد والعيش في وهمّ مُستديم والانغلاق على الذات والاستسلام والوقوع في فخاخ الهزيمة والنظر في اتجاه واحدٍ، جعلت حياتهُ تصبح باهتة يعتريها الكثير من الضباب! حياتهِ أصبحت حياة مادية، حياة المصالح، حياة الفردية، حياة البرمجة، حياة الأنانية والاستحواذ، حياة المنافسة والصراع، حياة أن أكون أنا بدون الآخر، حياة التراجع للوراء خطوات بدون تكلفة عناء المحاولة، حياة أن أدوس على الآخر واعبرهُ بكل ما أوتيّ من قوة غير مُكترث بالنتائج. أنها حياة جعلت معظم البشر تضيع مع التحدي والتسابق إضافة إلى التغيير المُستمر الذي لبسّ إنسان اليوم سواء كان بإدراك أو بدونهِ! بمعنى أقرب جعلت العقول والقلوب في حالة برمجة دائمة تلغيّ كل ما هو مخزون على السريع لتُقبل على الجديد الوقتي.
الحياة في امتداد والتفكير فيها مُتواصل، كل واحدٍ منا تشدهُ مشاغلهُ ومشاكلهِ اليومية من العمل وضيق المعيشة وسرعة عجلة الحياة ومُتطلباتها الأسرع وصعوباتها التي لا تعرف حدٍ، مما جعلت إنسان اليوم في حيرة وتحدي مع نفسهِ ومن ثم مع الآخرين. وأعلم أن الحياة عثرات وتعثرات ولكن بالمقابل لديك قدمين وعقل تستطيع من خلالهما أن تنهض وتواصل وتصل إلى ما تريد، لا نقل بنسبة 100% ولكن المحاولة تمنحك الفرصة لتكمل كأسك بكاملهِ وتستطيب بما يحتويه، فالقمر لا ينير بدون الشمس، والشجر لا يزهر بدون المطر، والسعادة لن تشعر بها بدون الحزن، والدموع لن تعرف مذاقها ما لم تذقّ الألم والفرح في ذات الوقت.   
كل شيءٍ في الحياة، الإنسان من يكون صانعهُ بنسبةٍ. ولو أخذنا كيسًا بغض النظر عن حجمهِ وحاولنا تعبئتهِ بأي حاجة، من المؤكد سوف لن يتحمل ويتشقق في أحد جوانبهِ، تمامًا كالبالون الذي تحاول جاهدًا النفخ فيه ليصل إلى أكبر حجم ممكن! هكذا الإنسان كذلك كلما كان الضغط عليه في تزايد سوف لن يتحمل وينفجر ويصل لحالة صعبٌ فيها أن يعود كما كان! فدعّ الكأس وتنعم بالحياة قليلاً، ودعّ أعباء الحياة ومشاكلها لبعض الوقت ولا تتصارع وتتحدى لتصل إلى وقت لا ينفع فيه التحدي والمواصلة مع نفسك.
عش الحياة بثقلها نعم ولكن لا تزيدها ثقل على ثقل، وأعط لنفسك الحق في أن تنعم ببعض الوقت في هدوء وراحة، فالأعباء والمشاكل مستمرة ولكن إياك أن تتسابق معها وتفكر في تحديها، كون ليس كل شيءٍ ينفع معهُ التحديّ، الاعتدال مطلوب وكذلك الاتزان والتنظيم والتحكم في حياتك ووقتك مطلوبان، ولكل شيءٍ مقدارهُ ولكل حادثًا حديث فلا تزيد أو تنقص من مقدارهما لكي لا تذوق الصدمة والاختلاف بعد ذلك.