غالبًا في مرحلة المراهقة والتي هي المرحلة الأكثر إحراجًا في فترة نمو الإنسان، تتولد فيها حالة من عدم الاستقرار والإدراك وتقييم الأمور بصورة سليمة، مع عدم تناسق الأفكار وتكامل نموها وانسجامها وتذبذبها نوعًا ما وتصادمها مع أفكار أخرى، إضافة إلى الضغوطات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية من قبل الأهل والمجتمع معًا، مع تردي الأحوال المعيشية وعدم الرعاية والاهتمام.
هذه وغيرها تؤدي بالمراهق إلى تخطيّ الحدود وتولد اختلاف المُمارسات والميول، إذا ما أسيء التصرف معهُ من قبل الأهل! فهو في هذه المرحلة لنقل يُعتبر فاقدًا لذاكرتهِ وغير مُدرك لتصرفاتهِ وكلامهِ، وإذا زادت الضغوطات عليه، أو إذا ترك بدون توعية أو إرشاد وبهدوء، فأنهُ يميل إلى مُمارسات شاذة وربما إلى الانحراف وفساد الأخلاق، الإدمان، ارتكاب الجرائم ....الخ!
لا ننسىّ كذلك أن الانفتاح المُطلق بدون رقابة على وسائل الأعلام المختلفة، كالانترنيت والهواتف النقالة والقنوات الفضائية، والانفتاح على مُختلف الثقافات، لهُ دورهُ البارز والفعال في انتشار الكثير من الظواهر السلبية بين فئات الشباب وبالأخص المراهقين، وخصوصًا في مُجتمعنا الذي كان ولا يزال محرومًا منها ومن الكثير! مما جعلهُ من خلال هذا الحرمان أن يتقبل الكثير وبدون اكتفاء، حتى وإن كانت سلبية! مع ممارستها الفعلية في حياتهم بدون أدنى مسؤولية، وفي ظل غياب الرقابة والتوعية الأسرية بها، لأنهم هم الآخرين كانوا محرومين ولا يعرفون تداعياتها السلبية، أو لأن معظم وقتهم يقضونهُ في العمل؟! وهنا لا يسعنْا أن نذكرها جميعها، ولكن سنكتفي ببروز ظاهرة جديدة تضاف إلى الأخريات في مُجتمعنْا والشباب يُمارسها، ألا وهي ظاهرة الايمو!
الايمو Emmo أو كما يسميها البعض في مُجتمعنا (البلاي بوي) أو (عبده الشياطين)، ظاهرة بدأت تأخذ مدّاها بين أواسط الشباب من كلا الجنسين! وهي تعتبر وسيلة يلجأ إليها للتعبير والتنفيس عن الذات، وهي ترجمة فعلية لظروف واحباطات كثيرة مُتراكمة وحالات اكتئاب شديدة، تحدث في فترة المراهقة، بعضها تأتي من المجتمع والاحتكاك به، والبعض الآخر يكون بسبب أهلهم وضغوطاتهم عليهم، والبعض الآخر تتولد بسبب الظروف! فيُعانون من الاضطرابات والارتباكات في علاقاتهم مع أصدقائهم وأسرهم ومُجتمعهم، ومن بعدها الضياع ومن ثم ميول إلى الانتحار.
والايمو هي اختصار لكلمة Emotion والتي تعني الإحساس والعاطفة. وهناك ما يميز الايمو، من بينهما التقليد الجنسي بحيث يصعب التفريق بين الايمو الصبي والايمو الفتاة بسبب تقاربهما في المظهر تقريبا! ويتم التعرف عليهم من خلال الستايل الخاص الغريب الذي يتميزون به، من ملابس وتسريحة شعر خاصة، ورسومات ووشم على أجسادهم، وأيضا الماكياج والإكسسوارات التي غالبيتها تكون على شكل جماجم وفضية! كما أنهم يستمعون إلى موسيقى صاخبة وغناء مُزعج!
وقد أكدت إحصائيات عديدة أجريت بحسب ويكيبيديا أن المصابون بالاكتئاب من الرجال 5% ومن النساء 8% ، أي ما يعادل 400 مليون شخص مصابون بالاكتئاب بالعالم، وغالبيتها تنتهي بالانتحار، أي ما يعادل مليون حالة انتحار من أصل 10 ملايين حالة انتحار فاشلة. والاكتئاب يحتل المرتبة الخامسة بين المسببات العظمى للوفاة والإعاقة. ومن المتوقع في عام 2020 أن يحتل الاكتئاب المرتبة الثانية بعد أمراض القلب حيث 15% من المصابين بالاكتئاب ينتحرون، والايمو يحتل نسبة لا باس بها من هذه الأعداد.
حقا أنها ظاهرة لابدّ من تداركها وإيجاد الحلول للحدّ منها وعدم أخذ مداها في المجتمع والحياة. وهذه الظاهرة كانت مُنتشرة في الدول الغربية وخصوصًا في الدول الأوروبية وأمريكا، ولكن في الآونة الأخيرة باتْ للدول العربية نصيب منها! والشباب طاقة ومستقبل المجتمعات، لكن في ظل التطور الهائل في جميع نواحي الحياة، والفهم والمُمارسة الخاطئة لها من قبل البعض من الشباب المراهق، باتْ في خطر ويهدد مستقبلهِ.
وتدارك هذه الظاهرة بالأساس يبدأ من خلال توعية الآباء والأمهات لخطورة ظاهرة الايمو، مع مُراقبة أبنائهم وملاحظة أية تصرفات غريبة عليهم، إضافة إلى توسيع ثقافة طلاب المدارس حول هذه الظاهرة ومدى خطورتها.
ولأن الشباب هم اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، فلا بد أن تكون هذه اللبنة مُطعمة بالتعددية والتنوع، ومُزودة بمساحة من الحرية المُراقبة، كي تكون متينة وقوية وداعمة لهذا البناء، بعيدًا عن العنف والأساليب البدائية القديمة، فهم في النهاية يعتبرون مرضى نفسيين وبحاجة إلى الحنان والرعاية والاهتمام قبل كل شيء، لمنعهم من إيذاء نفسهم نفسيًا وجسديًا، وإيذاء مجتمعهم وحضوره بين المجتمعات الأخرى.