الصفحات

Friday, August 17, 2012

الأيمو ... خطر يهدد المجتمعات

الأيمو .. خطر يهدد المجتمعات

 سهى بطرس هرمز
غالبًا في مرحلة المراهقة والتي هي المرحلة الأكثر إحراجًا في فترة نمو الإنسان، تتولد فيها حالة من عدم الاستقرار والإدراك وتقييم الأمور بصورة سليمة، مع عدم تناسق الأفكار وتكامل نموها وانسجامها وتذبذبها نوعًا ما وتصادمها مع أفكار أخرى، إضافة إلى الضغوطات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية من قبل الأهل والمجتمع معًا، مع تردي الأحوال المعيشية وعدم الرعاية والاهتمام.
 هذه وغيرها تؤدي بالمراهق إلى تخطيّ الحدود وتولد اختلاف المُمارسات والميول، إذا ما أسيء التصرف معهُ من قبل الأهل! فهو في هذه المرحلة لنقل يُعتبر فاقدًا لذاكرتهِ وغير مُدرك لتصرفاتهِ وكلامهِ، وإذا زادت الضغوطات عليه، أو إذا ترك بدون توعية أو إرشاد وبهدوء، فأنهُ يميل إلى مُمارسات شاذة وربما إلى الانحراف وفساد الأخلاق، الإدمان، ارتكاب الجرائم ....الخ!
لا ننسىّ كذلك أن الانفتاح المُطلق بدون رقابة على وسائل الأعلام المختلفة، كالانترنيت والهواتف النقالة والقنوات الفضائية، والانفتاح على مُختلف الثقافات، لهُ دورهُ البارز والفعال في انتشار الكثير من الظواهر السلبية بين فئات الشباب وبالأخص المراهقين، وخصوصًا في مُجتمعنا الذي كان ولا يزال محرومًا منها ومن الكثير! مما جعلهُ من خلال هذا الحرمان أن يتقبل الكثير وبدون اكتفاء، حتى وإن كانت سلبية! مع ممارستها الفعلية في حياتهم بدون أدنى مسؤولية، وفي ظل غياب الرقابة والتوعية الأسرية بها، لأنهم هم الآخرين كانوا محرومين ولا يعرفون تداعياتها السلبية، أو لأن معظم وقتهم يقضونهُ في العمل؟! وهنا لا يسعنْا أن نذكرها جميعها، ولكن سنكتفي ببروز ظاهرة جديدة تضاف إلى الأخريات في مُجتمعنْا والشباب يُمارسها، ألا وهي ظاهرة الايمو!
الايمو Emmo  أو كما يسميها البعض في مُجتمعنا (البلاي بوي) أو (عبده الشياطين)، ظاهرة بدأت تأخذ مدّاها بين أواسط الشباب من كلا الجنسين! وهي تعتبر وسيلة يلجأ إليها للتعبير والتنفيس عن الذات، وهي ترجمة فعلية لظروف واحباطات كثيرة مُتراكمة وحالات اكتئاب شديدة، تحدث في فترة المراهقة، بعضها تأتي من المجتمع والاحتكاك به، والبعض الآخر يكون بسبب أهلهم وضغوطاتهم عليهم، والبعض الآخر تتولد بسبب الظروف! فيُعانون من الاضطرابات والارتباكات في علاقاتهم مع أصدقائهم وأسرهم ومُجتمعهم، ومن بعدها الضياع ومن ثم ميول إلى الانتحار.
والايمو هي اختصار لكلمة Emotion  والتي تعني الإحساس والعاطفة. وهناك ما يميز الايمو، من بينهما التقليد الجنسي بحيث يصعب التفريق بين الايمو الصبي والايمو الفتاة بسبب تقاربهما في المظهر تقريبا! ويتم التعرف عليهم من خلال الستايل الخاص الغريب الذي يتميزون به، من ملابس وتسريحة شعر خاصة، ورسومات ووشم على أجسادهم، وأيضا الماكياج والإكسسوارات التي غالبيتها تكون على شكل جماجم وفضية! كما أنهم يستمعون إلى موسيقى صاخبة وغناء مُزعج!
وقد أكدت إحصائيات عديدة أجريت بحسب ويكيبيديا أن المصابون بالاكتئاب من الرجال 5% ومن النساء 8% ، أي ما يعادل 400 مليون شخص مصابون بالاكتئاب بالعالم، وغالبيتها تنتهي بالانتحار، أي ما يعادل مليون حالة انتحار من أصل 10 ملايين حالة انتحار فاشلة. والاكتئاب يحتل المرتبة الخامسة بين المسببات العظمى للوفاة والإعاقة. ومن المتوقع في عام 2020 أن يحتل الاكتئاب المرتبة الثانية بعد أمراض القلب حيث 15% من المصابين بالاكتئاب ينتحرون، والايمو يحتل نسبة لا باس بها من هذه الأعداد.
حقا أنها ظاهرة لابدّ من تداركها وإيجاد الحلول للحدّ منها وعدم أخذ مداها في المجتمع والحياة. وهذه الظاهرة كانت مُنتشرة في الدول الغربية وخصوصًا في الدول الأوروبية وأمريكا، ولكن في الآونة الأخيرة باتْ للدول العربية نصيب منها! والشباب طاقة ومستقبل المجتمعات، لكن في ظل التطور الهائل في جميع نواحي الحياة، والفهم والمُمارسة الخاطئة لها من قبل البعض من الشباب المراهق، باتْ في خطر ويهدد مستقبلهِ.
 وتدارك هذه الظاهرة بالأساس يبدأ من خلال توعية الآباء والأمهات لخطورة ظاهرة الايمو، مع مُراقبة أبنائهم وملاحظة أية تصرفات غريبة عليهم، إضافة إلى توسيع ثقافة طلاب المدارس حول هذه الظاهرة ومدى خطورتها.
ولأن الشباب هم اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، فلا بد أن تكون هذه اللبنة مُطعمة بالتعددية والتنوع، ومُزودة بمساحة من الحرية المُراقبة، كي تكون متينة وقوية وداعمة لهذا البناء، بعيدًا عن العنف والأساليب البدائية القديمة، فهم في النهاية يعتبرون مرضى نفسيين وبحاجة إلى الحنان والرعاية والاهتمام قبل كل شيء، لمنعهم من إيذاء نفسهم نفسيًا وجسديًا، وإيذاء مجتمعهم وحضوره بين المجتمعات الأخرى.   

Tuesday, August 14, 2012

المرأة في العالم العربي ... كيف نقيمها؟ 8 آذار/ يوم المرأة العالمي

المرأة في العالم العربي ... كيف نقيمها؟
8/ آذار/ يوم المرأة العالمي

سهى بطرس هرمز
إذا كتبنا إحصائيات عن تاريخ انجازات المرأة العربية التي تفوقتْ فيها علميًا ومهنيًا وحازت من خلالها على الكثير من الجوائز، فأنها لا تعّد ولا تحصّى. فهناك العديد من النساء العربيات اللواتي حملنْ رسالة المرأة العربية بنجاح وأثبتنْ ورسخنْ وجودهنْ وسرنْ على دروبّ كثيرة شاقة بكل عزم وثبات من أجل إيصالها.
والمرأة على مستوى العالم العربي نجحتْ بنسبة ليس في جميع البلدان العربية، في تحقيق وجودها وكيانها وشخصها. نعم هي تفوقتْ ونبغتْ في الكثير من المجالات والأصعدة وأخذتْ مكانتها في المجتمع، وأيضًا شاركتْ الرجل في الكثير من المناصب والانجازات وكانت معهُ يدًا بيدًا، وباتْ لها دور فعال في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنهُ، كما أنها لم تترك أي مجال من المجالات لم تتفوق به وتحرز فيه السبق، سواء كان في مجال السياسة والاقتصاد والأمن أو الطب أو القضاء والعلوم الدينية والعلوم الفضائية، إضافة إلى الرياضة والفنون والاعلام والهندسة والأعمار والسياحة والتعليم .....الخ.
 والناظر لواقع المرأة العربية يجدها ما زالت تكافح بثبات وإصرار من أجل أثبات وجودها وتواجدها، ووصلت في بعض البلدان إلى مرحلة تتيح لها حتى اتخاذ قرارات مصيرية مُتعلقة بالإنسانية. وهنالك الكثير والكثير من العربيات اثبتنْ جدارتهنْ ووجودهنْ حتى في المهجر، ووضعوا ثقتهم فيهنْ ولم ينظرنْ إليهنْ كإناث، وإنما كأدمغة قادرة على أن تُنجز وتُبدع وتبتكر وتُخطط.
لكن مع هذا كلهُ، المرأة العربية (بنسبة) لم تصل إلى المستوى المطلوب الذي يتيح لها الانخراط الفعلي في الحياة وترسخ وجودها، فما زال البعض يحجمها في أمور وأشياء دون أخرى ويشككون أحيانا في مواهبها وقدراتها، وأحيانا أخرى يضعونها في أطار مُغلف بالرقة واللطف، بمعنى يحاولون دائمًا تذكيرها بأنها أنثى وأن أفضل مكان تستطيع أن تبدع وتنجح فيهِ أكثر هو البيت (كزوجة وأم)! المرأة مخلوق مثلها مثل الرجل، وربما إذا سنحتْ لها الفرص أكثر وأعطيتْ ثقة أكبر ومساحة كافية من الحرية لأثبتت جدارتها أكثر من الرجل، فالمرءُّ لا يُقيم من خلال جنسهِ، وإنما من خلال كفاءاتهِ وقدراتهِ ومُقدراتهِ ومُعطياتهِ الشخصية.
وما يحدها مرات من مُواصلة مسيرتها، هو أنها ما زالت تُرمق بالنظرة الذكورية، وفي بعض البلدان تُحرم من التعليم والتثقيف لأسباب عدة، وما زالت في بعض المجتمعات يمارس العنف عليها بكافة أشكالهِ! وهذا ما يكون الدافع لتكوين شرائح ينقصها الدراية والوعي بحقوقها وواجباتها تجاه نفسها وتجاه مجتمعها وبالتالي تولد ثقافة مغلوطة وغير مفهومة، فلمْا كل هذا ومن أجل ماذا؟!
المرأة ذكرتها الأديان وقالت أنها مُساوية للرجل، والله كرمها، ولكن أين تلك المساواة اليوم؟! أين حقوقها التي خصت بها؟! أنها شبه غائبة أو لنقول غير مرئية أو يحاول البعض إنزال الستار عنها وإبقاءها خلفها! فتلك النظرات التي تُرمق بها للمرأة ما زالت مُوجودةٍ ومُترقبةٍ لها، وتحاول إذا أتتها الفرصة أن تُذكرها بها وتحجمها ضمن كونها مخلوق ضعيف لا يمكن لها أن تؤدي غير دورها في البيت رغم كفاحها الطويل في الحياة من أجل تثبت وتقول للعالم: (نعم ... أنا أنثى، ولكن لي قدرات تفوق الجبال).
انجازات المرأة التدريجية في العالم العربي تسير في خطاها الصحيح وستستمر إذا ساعدت ثقافة قبول الآخر على هذا، فهي لا تزال بحاجة إلى دعم وتشجيع أكبر وإعطائها فرص وأولوية أيضًا لتسير بخطى ثابتةٍ وموزونةٍ بدون أي عراقيل أو عقبات تحط من تقدمها أو تحسسها أنها اقل قدرة. والمرأة العربية ليست أقل من باقي نساء العالم إذا قورنتْ بهم. فالمرأة مثلما نقول دائمًا لا تنقصها الخبرة وإنما الفرصة، وبرأيي المتواضع أذا حلتْ مشكلة المرأة وصححتْ النظرة إليها، فقد حلتْ مشكلة مُجتمع بأكملهِ، لأنها هي الأساس.      
فأولى الخطوات في تخطي أي عقبات تواجه مسيرتها في كفاحها هو خلق ثقافة الاعتراف بوجودها، مع منحها ثقة وحرية تستطيع بها أن تخطو خطواتها بثبات. ولكن من الممكن أن يطول مشوارها في كفاحها إذا هي أعطتْ الفرصة لهم بذلك ورضختْ واستسلمتْ لأفكار مريضةٍ وباليةٍ! ومع هذا فالمرأة العربية تبقى شامخة ورائدة وثقتها بنفسها قوية وستنجح في أن تصبح نجمة في السماء يسطعّ نورها للآخرين. عندما هذا الرجل والمجتمع (بدون تعميم) يخلق نوع من الثقافة والوعي والتكافؤ والتكامل بهذا المخلوق وحقوقهِ، لأن خلق ثقافة مُتحضرة ومُساعدة بدورها وفعاليتها يؤثر وبشكل ايجابي على جميع النواحي وبالتالي أيضا يخلق وعي وثقافة يترّبى ويتبناها الأجيال القادمة.، لأن أذا كانت المرأة نصف المجتمع، فالنصف الآخر هي من تأتي به للحياة وهي من تربيهِ. من هذا ألا تستحق أن نقول أنها الحياة بأكملها! 
فالمفروض من البداية وفي أي نقاشات تخص هكذا مواضيع، أن لا نسأل أبدًا هل المرأة مُساوية مع الرجل؟! لأنهُ سؤال لا أساس لهُ، فنحن به نخلقهُ ومعهُ نخلق حاجز كونكريتي يكبر بينهما وكأننا به فعلاً نحاول أن نصنعهُ ونرسخهُ بينهما! فالمرأة واقع وحقيقة لا يمكن تجاهلها أو ركنها، أنها الحياة بأكملها. فلابد إذن من محاربة الأفكار المشلولة، ولابد أيضا من إرساء معايير وقوانين دولية وإنسانية أخرى لحمايتها وتأمين الظروف لها لتثبت وجودها في بيئة طبيعية وإنسانية لائقة بها وكريمة.
وإذا كانت جميع القوانين قد نصت على الحرية والمساواة كمطلب أساسي للديمقراطية، فالقضاء على جميع أشكال التمييز والعنصرية ضد المرأة ضروري أيضًا، وحقوق المرأة وحقوق الرجل واحدةٌ لا تتجزأ ما دام كلاهما خُلقا مُتساويين منذ نشوء البشرية، لذا فأن من واجب الرجل المُحافظ على حقوقهِ، أن يحافظ كذلك على حقوق نصفهِ الثاني ويناهض ويكافح معها فكريًا واجتماعيًا وثقافيًا للقضاء على الأشكال المُناهضة للعنف ضدها، واعتبارها فئة مُجتمعية مُكملة وليست مُنفصلة، لأن هذا بالتالي سيأتي بنتائج ايجابية عليه.  
فتحية أكبار وتقدير واحترام للمرأة العربية في يومها العالمي لكفاحها وتضحياتها وصمودها وهي تتصدّى بكل فخر لكل التحديات وترسخ كيانها ووجودها، فهي حياة وقلب المجتمع النابض، وهي اليد المُكملة ليد الرجل.   

العاطفة في حياة الإنسان

العاطفة في حياة الإنسان

سهى بطرس هـرمز
قدْ تشعر بشعور خاص لا يُشاركك فيهِ غير الذي يُبادلك هذا الشعور. كشعوركَ نحو أبنكَ: أنهُ يسرك ويُفرحك أن تسمع عن نجاحهِ، ويُحزنك ويؤلمك أن تسمع عنهُ خبرٌ سيء، وتخافُ عليهِ من التعرض للخطر، تتألم لألمهِ، ترتاح لهُ عند الحديث معهُ، أو تغضب لهُ أو تعاتبهُ أو تشفق عليهِ وترنّو وتحّن إليهِ وتعجب به وتحبهُ.....الخ.  هذا الشعور الداخلي فيكَ تجاههُ والذي يكون نتيجة استعداد ذاتك لتقبل هذا الشعور، جميعها انفعالات تتمحور حول موضوعٌ واحدٌ وهو (الابن). هذه الانفعالات المختلفة تتجمع وتتمركز في نقطة واحدة وينشأ عنها ما نسميه (العاطفة).  
العاطفة التي تُسمى عادّة: بالمشاعر والأحاسيس والمزاج والانفعالات، والتي جميعها تنتمي إلى صميّم تكوين وتفاعل الإنسان من الداخل. والتي أيضًا تستطيع أن تُلاحظها من خلال شعورك نحو الأصدقاء أو زوجتك أو الجيران أو تجاه شخص ما أو موقف ما. وتقابلها عاطفة الكراهية المُتمثلة في إحساسك ومشاعرك نحو عدوٌ تكرههُ، ومشاعر الكُرهْ الأخرى من حقد وأنانية وبغض وحسد وغيرة واحتقار.
ما هي العواطف:
العواطف Emotions هي عبارة عن شعور Sentiment تشعر به في داخلك، واستعدادات شخصية وجدانية مُكتسبة في كل فردٍ من المُجتمع الذي يعيش فيهِ. وبالتالي هذا المجتمع هو من يُعين العواطف الشخصية لكل  شخص منا. كما تحدث  نتيجة للعلاقات الإنسانية  بين الأفراد والاختلاط، والتي تتكون بتكرار التجارب والاختلاط والمعرفة المُتبادلة. فتكون بنتيجتها عدّة انفعالات داخلية مُفرحة ومُحزنة، مُتمركزة حول موضوع معين، وتنتهي بعاطفة حُبّ أو كراهية. بمعنى أن العاطفة هي نوع من الاستعداد العقلي المُكتسب المُرتبط بموضوع ومحور خاص.
وعلى الرغم من التداخل بين مفهومي العاطفة والانفعال نفسيًا، ألا أن الفرق فيهما يكمنْ في إن العاطفة هي استعداد الفرد للقيام بنوع معين من الاستجابات، وفقاً للحالة الشعورية التي يشعر بها أو وفقًا لطبيعة الموقف الراهن لحظتهِ، بينما الانفعال هو نوع من السلوك واستجابة معينة لموقف معين يُصادف الإنسان. والحياة بمُجملها بدون انفعالات تمّر جافة ومُتعبة وتسير على وتيرّة واحدة، مولدة الملل والسأم.
يقول كامل محمد في كتابة علم نفس الشخصية، بأنهُ في حياة الإنسان نوعان أساسيان من العواطف هما: عاطفة الحب وعاطفة الكراهية. وهنالك عاطفة غالبة تُهيمن على سلوك الشخص مثل عاطفة حُبّ الوطن. وعندما تتبلور شخصية الفرد وتنضج وتشعر باستقلاليتها وكيانها، تكون قد تكونتْ فيها عاطفة اعتبار الذات، وهي العاطفة التي تحملنا على احترام النفس والتمسك بكرامتنا وعمل الواجب لإرضاء ضميرنا، وفي إهمالهِ احتقار لذاتنا. وكثيراً ما تندمج عاطفة اعتبار الذات مع العاطفة الغالبة فيصبح سلوكنْا كلهُ مُوجهًا في خدمة ما نحبهُ أكثر من أي شيء آخر.
وحياتنا وما تمّر به  من أحداث سواءٍ كانت إيجابية أو سلبية، تولد السرور والفرح، وبالمقابل الهّم والحزن. والعواطف التي تجتاح دواخل الإنسان تُضفي على حياتهِ الحركة والحيوية وتجعل لها قيمةُ ومعنى. فلولاها لمْا تحركنا نحو الطموح والسعادة والدراسة والعمل والاستمرار، ولمْا جعلتْ الإنسان يُدرك قيمة ذاتهِ  والوجوّد الذي يُحيط به.
العاطفة والعقل:

يرى العقليين بأن العقل هو تلك الصفحة البيضاء التي تكسوها الأفكار والأحاسيس الخارجية التي يتلقاها من مُحيطهِ الخارجي. لأن " العقل في النهاية يكتسب المعرفة عن طريق انتقاش المعلومات فيهِ، وعلى أساس الفطرة يُدرك الأشياء التي تمّرُ عليهِ، ثم يقوم بالاستجابة إليها وتحليلها والتعامل معها كمفردة معرفية تخدم في النهاية الإنسان وتُغني جانبهُ المعرفي" (كتاب بناء العقل/ ريتشارد ليفيتون). بينما العواطف عرفت من قبل عالم النفس "وليام جيمس" بأنها:" ردة فعل انعكاسية Reflex تنجم عن مؤثر ذوّ معنى رمزي لدى الفرد". ويختلف الفيلسوف عما نوئيل كانط مع أرسطو في إن العقل هو القوة الوحيدة التي تحرك الإنسان في سعيه نحّو الوصول إلى السعادة.
فالعقل والعاطفة بينهما تكامل وتناسق وتجانس، وعلاقة لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن أحدهما بالآخر. وكلما أتسع نطاق إحساس الفرد وشعوره تغلبتْ العاطفة على العقل. فعاطفة الحُبّ مثلاً، التي هي حالة انفعالية معقدة مُتمركزة حول شخص معين، تُطغّى عقلهُ فيخضع الأخير لحكم العاطفة. لأن المُحب لا ينظر إلى من أحبَ نظرة مدققة بعقلهِ وفكره، بل ينظر إليه بقلبهِ ومشاعره، مُنجرفًا وراء عواطفهِ وواضعًا كل ثقتهِ وإيمانهِ فيما يشعر فقط. وهنا يضيع الإنسان عن الحقيقة لأن العاطفة ملكتْ العقل وأوقفتهُ وألغت الحكم الصحيح، وبالتالي من يقوم بدور أخذ القرارات العقلية سيكون الشعّور والأحاسيّس، مُستخدمة منطق العاطفة.
وجميع تصرفات الإنسان وسلوكهِ يُبرر بالعواطف، وإذا ما أختلف سلوكهم فيكون نتيجة لتباين عواطفهم، لأن العاطفة تكون مُحاطة بمجموعة من العواطف المُتعدّدة، والتي تتباين ما بين مُؤيد ومُعارض لها. مؤثرة بما يُصادف الإنسان في حياتهِ الاجتماعية حينًا وبالعقل حينًا آخر. لأن العواطف أساسًا  بمجموعها نكتسبها من المُجتمع وليس من الطبيعة، كغيرة الحماة من كنتها وبالعكس، وخوف الأب على أولاده من الأخطار. حتى العواطف التي تُورث وراثة تُكتسب من المجتمع كالعاطفة الجنسية وعاطفة الجوع إلى الطعام.
فالإنسان يولد وهو مُزود بعدد كبير من الإمكانات التي تتفاعل مع عالم مادي واجتماعي مُعقد، والتي تتباين مع مواقف الحياة المُتعدّدة، فيظهر الصراع بين العواطف نفسها من جهة، وبين العواطف والعقل من جهة أخرى. فبعض المواقف تخضع لسلطة العواطف، والبعض الآخر يُخضع العواطف للعقل وحكمهِ بفضل قوة الإرادة وقوة ضبط النفس.
وأخيراً:
العواطف نعمةٌ وعطيةٌ من الخالق، ولولاها لغدتْ الحّياة جامّدة ساكنة ومُملة، و لذبلتْ النفس وما كان للفن والإبداع وجود ولا للجمال سحره. وتعلم دائمًا أن تُشارك الآخرين بمشاعرك بعيداً عن البرودة والجمّود والذاتية والأنانية والتكبر، وأيضا الزيف الذي صارَ جزءًا من طبيعة الإنسان لإظهار نفسهِ بصورة غير صورتهِ الحقيقية، وعليك دومًا أن تحكم العقل والعاطفة معًا في قراراتك لكي تسلك طريقها الصحيح وتأتي بعواطفك نحو الاتزان.

السعادة رغم مشاكل الحياة

السعادة رغم مشاكل الحياة



سهى بطرس هرمز
منْ مِنا لا يتمنى أن يكون سعيداً والبهجة تملأ حياتهِ، فالسعادة كنز من كنوز الحياة، ولكن كيف السبيْل إليها؟ هل هي من تأتي إلينا، أم نحن من نصنعها؟! أسئلةٌ كثيرة تشوش فكر الإنسان ويريد الحل الشافي لها، أو بالأحرّى أن يفهمها ويستوعبها! السعادة هي غاية لا يمكن لأي إنسان إدراكها لأنهُ لا يستطيع تحديد مكانها وزمانها أو تحجيمها، فهي كائنة في طبيعتنا وإنسانيتنا وحضورنا وواقعنا وقناعتنا وتصرفنا وأيضًا في كل عمل نؤديهِ لأنفسنا أو لغيرنا. سعادة نكون نحن من نخلقها داخلنا وبالتالي نعكسها على الآخرين، بأعمالنا وكلامنا وإحساسنا بمُعاناة الآخرين وأمرهم.
هذا الشخص مثلاً نراهُ: مثقف.... ناجح.... غني.... لديهِ زوجة جميلة.... وبيت جميل وسيارة.... يمتلك كل شيء، ولكن إذا دنونا منهُ وجدنا البسمة شبه غائبة عن شفتيه، ومُتضايق ودائم التوتر، وغالبًا ما يسرح بخيالهِ وكأنهُ فاقدٌ لشيءٍ! كلُ شيءٍ مُتوفر في يديهِ، لكنهُ لا يملك كل شيء! حقق كل شيء مادي في حياتهِ، لكنهُ محروم من أجمل كلمة تُقال ويُنادى بها وهي كلمة (بابا)! أخذ من الحياة ظاهرها، لكن في أعماقهِ نجد أن حياتهِ بلا معنى! مسكينُ إنساننا. تبقى الحياة عجيبة وغريبة، لا تعطي للإنسان كل ما يتمناه، لابد وأن يكون هنالك دائما شيئًا ناقصًا ومفقودًا. فالحياة إذا حققت أي جانب حياتي وإيجابي في الإنسان، يأتي ما لا يمكن أن يخطر ويكون على البال ويُشوش على السعادة أو بجزء منها، لا يوجد شيءٍ كاملٌ وثابتٌ في حياتنا.
وما أكثر المُشتكين من تعسر وجود السعادة في بيتهم، وما أكثر الشاعرين بهروب السعادة من سمائهم، وما أكثر الذين كانوا سعداء لكن غيرهم سرقها منهم بأنانيتهم وعجرفتهم، وما أكثر الذين يمتلكون السعادة وهي بين أيديهم لكنهم لا يرونها بسبب عماء قلوبهم وأضاعوها! وما أكثر الذين تكون السعادة بينهم لكنهم مع ذلك يبحثون عنها في أشياء أخرى تافهة في الحياة! إنساننا مُتناقض، يريد أن يذوق الحياة السامية، فإما أن يبحث عنها في أمور لا تمدُّ لها بصّلة، أو يجدها عند غيره ويأخذها وأما أن يهملها ويُضيعها بإرادتهِ ويستسلم للأقدار! وخاصة في زماننا هذا الذي اختلطت فيهِ مفاهيم السعادة والعلاقات الإنسانية وضاعتْ بين دروّب الحياة.  
فما هي السعادة؟  
ما هي السعادة؟ ما هي الحياة؟ أسئلة كبيرة حيرتْ البشر! كلمتان مُترابطتان مع بعضيهما لكنهما مُختلفتان وبينهما الكثير من التناقض. فلكلمة السعادة وقع في نفسٍ كل سامعها، وقد كثر الجدل حول مفهومها، وكل إنسان لهُ وجهة نظره الخاصة والتي يراها حسّب تذوقهِ وتعايشهُ لها. وإذا أردنا أن نُعطي تعريف مُبسط لمفهوم السعادة، علينا أولاً أن نقول ما هو الإنسان؟
الإنسان: كائن ذو طبيعة جسدية وذو طبيعة روحانية، وهو نفسٌ تمتلك مجموعة من الأحاسيس والمشاعر التي تنبسّط عند الشعور بما يُريحها، وتنقبض عند الإحساس بما يُضايقها. فالسعادة ليست شيئًا ملموسًا، وإنما هي أحساس أو شعور يُلامسَ أعماقنا، فأحسسنا تجاههُ بالارتياح والبهجة. وهذه السعادة نسبية وليست مُطلقة، ويختلف مفهومها من شخص لآخر، كلٌ وحسب درجة استجابتهِ وتقبلهِ للموضوع وفهمهِ لها، فهناك من يرى السعادة في جمع الأموال وغيره يراها في الصحة، وثالث يراها في العاطفة، وفي رأينا المُتواضع نقول إن السعادة تكمْن في غنّى النفس وسموّها عن كل الرذائل. فالبشر جميعًا يختلفون في تحديد مفهوم واحد جامع للسعادة، لكنهم يتفقون جميعًا على أن يحققوها ويعيشوها!
أذن مفهوم السعادة ليس واحد، وإنما يتعدد بحسب المُستجيبين والمُتقبلين لها والفاهمين لها. ولو كانت السعادة مفهوم واحد ومُوحدًا لكان جميع البشر سعداء والحزن نقيضها لا وجود لهُ! لذا ما يحصل لهذا الشخص أو ذاك ويُشعره بالسعادة والمرح، غيرهُ لمْ يحسَ بهِ، لأنهُ لمْ يلمس ذاتهُ، وكذلك من شعر بشعور الأسىّ والحزن غيرهُ لمْ يعرفهُ لأنهُ لم يلمس مشاعرهُ! وهذه في النهاية أقدار تصيب البشر.
فالسعادة إذن نقولها بكلمتين، شعور وإحساس! شعور يُلامس وجدان كل إنسان وتشعره بإحساس سامي يتعدى الوصف والخيال.

هروب السعادة أحياناً:
السعادة كنجم عالي يتلألأ في سماء صافية، ومن الصعب على كل إنسان أن ينالهُ، لأنهُ لا يعرف السبيل إليهِ أو كيف يتملكهُ، وكلما مرت الأيام أبتعد أكثر عن النجم وزادت المسافات بدون أن يدري، إلى إن يفاجأ يومًا باختفائهِ كليًا! فيتسأل: يا ترى لمْا اختفى وضاع فجأةٍ؟!  
الإنسان في هذه الدنيا دائمًا يبحث عن المزيد ويركض ورائهِ ليلا ونهاراً، المزيد من المال، المزيد من النجاحات، المزيد من المناصب، وتمشي به الحياة هكذا، إلى أن يفاجأ يومًا بأن العمر ضاع به وضاعتْ معهُ أشياء جميلة لا يمكن أن ترجع أو صعب إيجادها. فيبدأ بمُلاحظة ومُقارنة نفسهِ بينهُ وبين غيره في أمور وأشياء كثيرة. فمثلا هذه الفتاة أو ذاك الشاب، عندما يكبر يجد نفسهُ تلقائيًا يُقارن نفسهُ وحياتهِ بينهُ وبين حياة الآخرين، فيقول زميلي ناجح وحظيَّ بأمور أكثر مني، جيراننا أسعد منْا، والد صديقي غنيٌّ جداً..... وهكذا.
هكذا الإنسان دائما يُقارن بين ما لديهِ وبين ما لدى غيرهِ، يركز نظرهِ على الأشياء الفانية، على المظاهر الشكلية، ظنًا منهُ أنها هي من تجلب الفرحة لهُ، فيفقد السعادة ومعها يفقد أغلى ما على قلبهِ، ضيعها هو بنفسهِ. فهربتْ منهُ السعادة ولا يجد لها أثر ولو قليل في نفسهِ، هربت إلى هذه الأشياء الشكلية التي لا يمتلكها، وحتى إن امتلكها بعد فوات الأوان فلا يجد للسعادة أثر، لأنهُ لا يمتلكها في داخلهِ.   
فالسعادة ليست في المظاهر والشكليات، وإنما هي كامنة في نفس كل إنسان، يشعر بها بكل قلبهِ ووجدانهِ وتجعلهُ يفرح ويسعد بالأشياء القليلة والبسيطة من حولهِ، هذا إذا كانت روحهُ قنوعة وتُقدر الإنسان من خلال جوهره وليس مظهره، فقيمة الإنسان ليست بما يمتلكهُ.  
و لكل إنسان يريد أن يستشعر السعادة سواء (أنتَ، أنتِ)، فلابدّ من إن تعيش الحياة وتتقبلها بجميع وجوهها وعلى اختلاف أنماطها وإنسانها، لكي تشعر بمرارتها أولاً قبل حلاوتها، والتي من خلالها تذوق قيمة السعادة الحقيقية. سعادةٌ تجدها في داخلك وفي أعماقك وفي روحك، فأبدأ رحلتك من داخل ذاتك وأبحر بها إلى أن تجد الجوهرة المكنونة فيك، وأخرجها وزينَّ بها خارجك لكي تبهر وتُشرقَ للآخرين بنور يعكس منكَ ليدخل أعماقهم. فإذا لم تجدها في داخلك، فلن تراها أبداً فيمن حولك، لأن السعادة شعور ينبعث من دواخلنا ومن قلبنا وليس من خارجنا، فلابد من أن تعود لنفسك لتُدركها وتفهمها وتحبها كما هي.
وهناك الكثير مِمن يشعرون بلذة السعادة رغم ما مروّا به من تجارب ومحنٌّ يصفها البعض بالفشل، لكن رغم ذلك وجدوا طريقهم في هذه المشقات إلى الابتسامة والسلام الداخلي واستشعروا حلاوة السعادة رغم الأشياء البسيطة التي يمتلكونها.   
فالسعادة موجودة فينا ولكن نحن من بيدنا أحيانا نضيعها، فلنبحث عنها أو لنصنعها بأنفسنا ونحن قادرين على ذلك قبل فوات الأوان وانشغالنا بأمور لا تجدي لحياتنا نفعًا، وما أجمل أن نشعر بالسعادة ونسعْد من حولنا. فالسعادة هي مطلب وأمنية كل إنسان في هذا الوجود، وأعظم سعادة هي السعادة الروحية النابعّة من أعماق النفس، وسعادة تجدها عندما تؤدي خدمة لإنسان من كل قلبك، وفي كل ابتسامة على شفتي طفل بريء يبتسم من أعماقهِ ابتسامة صافية للحياة التي ليس لها هدف غير الحياة نفسها.

الجمال اين نجدهُ؟

 الجمال أين نجدهُ؟  

سهى بطرس هرمز
يقول لورانس:" الروح الإنسانية تشتاق إلى الجمال الحقيقي وتحتاجهُ أكثر من شعورها بالحاجة للخبز". والجمال كما قالهُ الحكيم أنواع، بأن:
جمال الروح: يهون عليك المصائب.
وجمال النفس: يسهل عليك المطالب.
وجمال العقل: يُحقق لك المكاسب.
وجمال الشكل: يسبب لك المتاعب.
ونُضيف أيضا إلى أنواع الجمال التي ذكرها الحكيم (جمال الأخلاق، جمال الكلام، جمال الطبيعة.... وكل شيء جميل في الحياة)، ولأن الله جميلٌ يُحب الجمال فقد خلق كل شيء جميل في هذا الكون بما فيه الإنسان. ولا يمكن تصور وجود إنسان لا يملك جمالاً، ولكنهُ يكون على درجات متفاوتة ومُتباين من شخص إلى آخر. فمنهم من تكون درجة جمال شكلهِ عالية، وهناك من يتسم عقلهُ وفكرهُ بقوة التفكير والحكمة في التصرف، وهناك من تكون روحهُ رقيقةٌ ومرحةٌ.
 وهناك من الناس من يكون دمث الأخلاق أو يتميز بسلوك مُميز في التعامل مع الغير وبأسلوب جميل في حديثهِ وأقوالهِ. هذه جميعها تُعطي الجمال لدى الشخص وتكتمل صورتهِ كإنسان لهُ فكر وإبداع وتميز وروح، أي ليس فقط إطارا جميلا نزينهُ من الخارج كيفما نريد وبالصورة التي تناسبنا، فما يهمنا هو ما في داخل الإطار النابض بالحياة والمهتم بكل ما هو جميل في الحياة.  
ويُخطئ الكثيرون إذا ظنوا إن المظهر الخارجي كفيل بأن يُحقق لهم ما يرجونهُ، فالجمال ليست كلمة تُقال وعبارة يُنطق بها لتصف الجمال نفسهُ، وإنما الجمال هو شيء أبلغ من ذلك! وهو كلمة خاصة بين الكلمات، وصفة يتمناها كل إنسان سواء كان رجلاً أو امرأة. ولذلك اختلف الكثيرين في آرائهم وتقييمهم للجمال ومعاييره، ولكن لا يختلف اثنان إن الخلق الحسن والأفعال وعذوبة الروح هي في حدّ ذاتها جمال يُزين صاحبها. فقد نرى شخصًا ما جميل في الشكل والمظهر والأقوال، ولكن من ناحية أخرى وفي باطنهِ مُقصر، فهل نصفهُ بالجميل؟! وربما قد يكون العكس. فـــ:
ليس الجمال بأثواب تزيننا      إن الجمالَ جمال العلم والأدب.
وانظر أيضاً هذا القول:" كمْ من حسن في الخُلق، غطىّ عيبًا في الخُلق".
وكل امرأة تبحث عن الجمال وعن كل ما يزيدها بهاءً وجاذبية، وهذا جميل، ولكن نقول لها، أنتِ لست فقط جسد وإطار جميل، بل نفسٌ وروحٌ وجوهر مكنون! مثلما تغذين الجسد وتهتمين به كذلك الروح بحاجة إلى ما يُغذيها من القيم والأخلاق والسلوك الحسن، فلا معنى للجمال الخارجي دون الداخلي. وجمالك الحقيقي إن تُدركي دورك في حياتك، وفي حياة أسرتك ومُجتمعك، وتُقييمين ذاتك من خلالهِ. فالجمال مُوجود في أعماق ودواخل كل إنسان، ونحن بمشيئتنا نستطيع أن نعكسهُ على ما حولنا، فنرى الجمال في كل شيء، وبهذا نعطي لكلمة الجمال معناها الحقيقي.
قال أحيقار الحكيم في أحد أمثالهِ:" يا بُني لا يُغريك جمال المرأة، ولا تشتهيها في قلبك، لأن جمال المرأة ذوقها، وبهاؤها نطقها". أي إن جمال المرأة يبرز أكثر من خلال ما تنطق به بكلمات نابعّة من داخلها. فالجمال بالنسبة للمرأة ليس فقط إن تهتم بمظهرها ولبسها وشعرها، بلْ لابدّ وأيضًا من إن تهتم بجمالها الداخلي وروحيتهِ ورسالتها كأم وكزوجة وكأخت وبنت، لأنهُ غالبًا جمال المظهر يكون خداع. فالجمال أولاً هو جمال الروح والأخلاق والتواضع والإنسانية في الإنسان، وليس جمال الصورة، الذي مع الأيام يترك الزمن بصمتهِ عليهِ ويذبلهُ! إذن كل عناصر الجمال الخلقية سوف تنتهي وتزول بمرور الزمن، فما الباقي من الجمال غير الجمال الروحي الذي لا يذبل ألا بانتهاء حياة الإنسان؟!
والإنسان لا يرتقي ولا يُرفع ألا بما يحملهُ في داخلهِ، وما دمتْ تمتلك عاطفة فلابدّ أن يكون لك جمال يُشرق ويُنير في قلبك ويشع في روحك، التي تُرقىّ وتتغنىّ بكلمات الحبُّ والأمل والتفاؤل بحياة تُدرك معنى وجودّك وحضورك فيها، فتتذوقها بحس وبنكهة السعادة. جمالاً يُبرق من خلال التعامل مع مواقف الحياة وبأسلوب راقي وباحترام مع الآخرين. وما أجمل أن تبصر الجمال في براءة طفل، وفي ابتسامة بشوشة، مُشعة تعكس على الناظر والسامع وتدخل قلبهُ وتلامس روحهُ. أو جمالاً تراه في لوحة فنان تعكس عمق نظرتهِ  وإحساسهِ الباطني، الذي يفتن القلب ويزعزع المعاني.
فالجمال فنٌ. وكم هو جميل أن نهتم بجمالنا الخارجي، ولكن الأجمل أن نهتم أكثر بجمال شخصيتنا وذاتنا وروحنا النقية التي تسمّو على كل ما يُخدش نقاءها وتبقى بقاء الخلوّد.

الرجل الذي تطمح وتتمناه كل فتاة

الرجُل الذي تطمْح وتتمناهُ كُل فتاة

سهى بطرس هرمز
لا وجود لإنسان كامل ومثالي في الوجود، فالله وحده هو الكامل، ولكن الإنسان بطبعه دائما يحاول أن يخلق لنفسهِ حالة من الكمال، أو بالأحرى الاقتراب منه، وهذا أقرب إلى الخيال والمستحيل! فلابد أن يكون هنالك تناقض أو نقص ما موجود في أحد الجنسين سواء الرجل أو المرأة، وهذا النقص يكملانه مع بعضهما عند ارتباطهما بالتفاهم والتراضي والكلمة والعشرة الطيبة.
ولكن غالباً ما نرى أشخاصاً تتضارب الرؤية لديهم ويفقدون توازنهم في نقطة معينة قد تبدو صعبة بالنسبة إليهم، وربما أحيانا نتيجة هذا الضعف أو الصعوبة  يتخذون قرارات مصيرية تخص حياتهم مرتبطة بهذه اللحظة أو النقطة، مثل الارتباط والزواج، لكنها في زاوية ما تكون بعيدة تمامًا عن الرؤية الواقعية للأمور ومُسايرة الحياة. كما سنتطرق في حديثنا الآن عن أحد هذه الأمور، والذي هو عن الرجل المناسب (فارس الأحلام) والذي يصلح أن يكون شريكاً وزوجًا مستقبليًا لكل فتاة، ويُقدر قيمتها وجوهرها..
من الطبيعي أن كل فتاة أمنيتها الوحيدة أن تجد زوجاً مثالياً، يُقدرها ويُشعرها بقيمتها وأهميتها. فهناك نسبة متضاربة بين النساء في إختيارهنْ لشريك حياتهنْ، قسم منهنْ يفضله وسيم وحسن المظهر والجسم وقوي العضلات، والقسم الآخر يفضله قوياً وخشناً وصوته مدوي في البيت، وقسم آخر يفضلهُ أن يكون ضعيفا (نقصْد بها ضعيف الشخصية) كي يكون مثل العجينة في يدها تشكله كيفما تشاء ويلبي رغباتها بدون نقاش أو حوار، وقسم آخر يفضل أن يكون ثرياً وهادئاً ويعيشها في مستوى رفيع، وقسم آخر يفضله أن يكون مثقفاً وثرياً ويذكر أعياد الميلاد وحضور المناسبات بإستمرار وذكرى الزواج.... الخ.
وتكثر الآراء وكل واحدة تريد شريكها أن يكون حسب مزاجها ومتطلباتها وشروطها! متناسية أن الشرط الأساسي المفروض أن يتصف به أي رجل كان، هو أن يكون رجلا بكل ما للكلمة من معنى، حنوناً عليها، ويقدر جوهرها وشخصها وإنسانيتها، وتكون بينهما لغة الحوار والتفاهم بدون أكاذيب، ويشعرها بأهميتها ووجودها في حياتهِ، وأنها مسؤولة منه، وهذه الأشياء الأخرى من مال وثراء وحضور الحفلات هي ثانوية ومع الوقت تأتي من نفسها، باختلاطهم في المجتمع وبتعاونهم مع بعضهم ومساعدة كل واحد للآخر.
تقول أحدى الصديقات عندما سألنها عن مواصفات شريك حياتها:
 كيف تتمنين أن يكون شريك حياتك؟ فأجابتْ بابتسامة: شريك حياتي الذي في مخيلتي أودهُ أن يكون أنساناً قبل أن يكون رجلاً، وتكون لديه شخصية ورأي، أن ينظر إلى شريكة حياتهِ ويرى فيها نفسهِ، كونها مرآتهُ التي تعكس نفسهُ وتصرفاتهُ، أن يُحبني لذاتي ولشخصي، وأن يذكر الرب، ويحافظ على وعوده والتزاماته، وعلى درجة عالية من الرومانسية والشاعرية ويطرب مسامعي بكلام جميل وحنون.  
وتضيف أودهُ أن يكون رجلاً يستوعب همومي ومشاكلي، وان لا يظلمني أو يجرح شعوري في يوم من الأيام، قليل الشكوى ومتعاون ويساعدني، كريماً وليس بخيلاً، ويفكر بي وبذاتي ويحترم قراراتي وأختياراتي وأهلي في نفس الوقت. ويكون ذكياً ومثقفاً ونزيهًا وشهمًا وخفيف الدم وغير عصبي، ويوفر لي السعادة التي أتمناها ويُشعرني بالأمان وبحنانهِ، ويلبْي طلباتي، ويكون سنداً لي وليس اتكالي ومُعتمد علي، وكذلك أريدهُ أن يكون مُخلصًا ومُتسامحًا. وتتابع صديقتنا الكلام وهي تحلم وترتسم ابتسامة خفيفة على شفتيها من سعادتها وهي تتكلم عن مواصفات شريك حياتها (فارس أحلامها).. فقلت لهْا هل انتهيت أم ماذا؟ أم توجد أمور أخرى لمْ تأتي في مُخيلتك؟ فقالت: أود وأود وأحلم به أن يكون مثالياً في كل شيء!  
صديقتي طموحة وتحلم بنموذج مثالي لزوج المستقبل وأن تتوفر فيهِ كل هذه الصفات مُجتمعة، ولو كنت تركتها لتتكلم لقالت أكثر، ولكن قلت لها جملة وهي:" أن صادفتْ أو قابلتي رجلاً بكل هذه الصفات، فأعرفي أنهُ ممثل عظيم وبارع"!! ومثلما أكدنا وقلنا في بداية حديثنا بأنهُ لا يوجد إنسان كامل ومثالي، ولكن من الطبيعي في أن تحلم كل فتاة وتتمنى أن تحظى برجل يوفر لها كل ما تتمناه من سعادة وراحة.  
ولكن نقول يبقى مُجرد حلم ووهْم وسراب، لأنه كل إنسان (ذكر أو أنثى) يمتلك صفات موجودٌ فيهِ، الأخر يفتقر إليها وهكذا، ومعًا يكملانها! إي بمعنى كل الصفات الجميلة والحسنة التي ذكرناها من المستحيل أن تتواجد في رجلٌ واحدٍ أو تتواجد في إمرأة واحدة! لأن البشر جميعا يعيشون على الأرض مع بعضهم ومن الطبيعي أن يكون لكل واحد طبع خاص  يتطبع به،  أو يكتسب صفات مختلفة عن الآخر. وإذا وجْد هذا الرجل المثالي الذي تتمناه كل فتاة وتحلم به، لمْا بقيتْ أمرأة على وجه الأرض تعاني وتشكو من زوجها أو حبيبها، ولمْا كان هذا الكم الهائل من المُطلقين! ولمْا بقيت لحد الآن في بعض الدول بدون حقوق، ومُهانة من قبل الرجل!
دعوتنا لكل الفتيات:  
 قيل في المرأة: لا تطلب المرأة من الدنيا إلا زوجاً، فإذا جاء طلبتْ منهُ كل شيء!  
لذا ندعو كل الفتيات أن لا ينظرنْ إلى الرجل من خلال ما يملك أو مقدار مستوى معيشتهِ، أو إلى الشكليات من حفلات وسهرات ونوادي، فمقدار الرجل وقيمتهِ لا تقاس بهذا، بلْ بمعدنهِ وأصلهِ الطيب ومقدار عطائه لها ومدّى مُحافظتهِ عليها. والأمور الأخرى مع العشرة وبالتعاون مع بعضهم ومساعدتهم لبعض البعض تأتي تدريجياً وتباعاً، فجميعها شكليات!  
وفي رأينا الرجل الذي تتمناه كل فتاة هو الواثق من نفسه، ويقول كلمة الحق بأسلوب مهذب وحضاري بحيث لا يخدش كبرياء أو مشاعر أحد. ويتسم بقوة الإرادة وقوة الشخصية وان يكون عند قولهُ عندما يعّد بشيء، كذلك لينًا في تصرفاتهِ وتعاملهِ.  يهب الأمان والحنان، ويشارك هموم نصفهُ الآخر، مُتسامحًا لهفوات شريكهِ، ويُشاركها أسراره، وإذا تحدث تنبهر من أسلوبهِ وحسن حديثهِ وطريقة أداءه لكلامهِ، أن يكون مقدراً لأحاسيسها ومشاعرها ويحْن عليها وقت حزنها وألمها، وان يستمع إليها ويقدر رأيها ويطلب مشاركتها في قراراتهِ ويحترم رأيها، ويطرب مسامعها بكلمات دافئة مليئة بالحب، يشُعرها بأنهُ بحاجة إليها في كل لحظة، ويفتخر بها ويراها في عينيهِ غالية وجوهرة ثمينة ويحسسُها بهذا، ويكون محافظاً على بيته وأولاده.
وأخيراً نقول:
بين الرجل والمرأة لغة لا يفهمها سواهما، لغة التفاهم والصدق والمحبة والتراضي. وهم عظماء حين  يؤدون دورهم ورسالتهم  في الحياة وللأجيال القادمة  بكل أحترم أحدهما للآخر، وكما نعلم بأنه لكل من المرأة والرجل، تربية وتعليم ونفسية مختلفة، وبيئة وطريقة تفكير خاص بكل منهما، وأيضا يمتلكان طباع تختلف عن الآخر، فلا جمال المرأة ولا وسامة الرجل هي الصفة الأساسية وشرط ضروري لشريك أو شريكة الحياة، بل مقدار وعطاء وحب كل واحد منهما للآخر، وبذلهما  لبعضهما، ومحافظة كل واحد منهما على صورتهِ وأهميته أمام الأهل والمجتمع والأبناء أيضاً. فالجمال الحقيقي هو الجمال الداخلي (جمال الروح والنفس). وبالمعاملة الطيبة والكلمة الحنونة تستطيع (يستطيع) أن تُشكل شريك الحياة مثلما تريد. مثلما الإنسان هو الذي يصنع الحياة وأستمراريتها، كذلك بيده يستطيع أن يُكون شريك حياتهِ ورفيق دربهِ كيفما يريد..