سهى بطرس قوجا
الإنسان دائما يهمُّ بالبحث عن حالة من التوازن في حياتهِ، حالة
تجعلهُ يعيش الحياة التي تتلاءم مع تكوينهِ وتشعرهُ بشعور الغبطة والاستئناس، حالة
تجعلهُ يشعر بروحهِ ومكنوناتها. وهذا جميل بأن يسعىّ إليها بنفسهِ لإيجادها وإيجاد
ذاتهِ والشعور بها والسكنى والاستقرار فيها، ولكن إن كان يحاول هذا عن طريق الآخر
وعلى حساب نفس ذاك الآخر ومشاعره، فهنا ما هو ألا تسلل هادئ ومؤلم داخل أخوار
النفس لتعيش بعد ذلك في ظلام وتخبط وانعدام قرار وسعادة!
الإنسان أن لم يحاول بنفسهِ وبقناعاتهِ أن يُجمل هذه الحياة، فلن
يراها أبدًا جميلة وتستحق أن يعيشها ويعرف كيف يتأقلم مع إنسانها، وهذا الشعور
بجماليتها يأتي بالدرجة الأساس من شعوره بحب الآخرين وحبّ ذاتهِ، بمشاعر حقيقية
وصادقة غير مُزخرفة بكلمات كثيرة مُجملة بالكثير من الحماس والإيثار، لأن من يلجأون
إلى هكذا أساليب هم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن العواطف الصادقة، هم في الواقع
يرسمون عواطفهم كيفما يريدون بدون إحساس وروح بفرشاة فقط تحمل لونًا واحدًا، أي
بمعنى يحاولون عيش الإحساس الوهمي والزائف في محاولة للبحث عن الحقيقي وإيجاده، من
خلال التسلل إلى عواطف الآخرين؟!
في وقتنا الحالي عندما تستمع إلى بعض نماذج شباب اليوم، تلتقط من بين
كلماتهِ، كلامًا قد وجه إلى أكثر من فتاة! لا نعرف سبب ذلك هل هو الانفتاح المُمارس
بطريقة خاطئة أم الفهم الخاطئ للحرية أم هو تسلية وقتية أم حيرة وتذبذب في
الاختيار؟! أم يكون البحث عن الأفضل! وهكذا يكون نفس الحال أيضًا لبعض نماذج
الفتيات! يحاولون البحث عن المُكمل لهم في حياة الآخرين، بأساليب شتىّ في سبيل
الوصول إلى الذي ترغبهُ ويكون الأفضل.
يقول: نظراتها العميقة والساحرة هي من ابتلتني بها، وبشرتها السمراء
هي من رمتني في بحر هواها، فتملكني حبها، ولكن لم تكمل السنة، ألا وقد وجدتها قد
تركتني لتمسك بيد آخر! هكذا تسللت بخفة خطواتها إلى قلبي وتملكت مشاعري ومن ثم بعثرتها
وعبرتها بكل ما أُتيت من قوة، غير آبهة بي؟!
هذا هو حال الكثيرين، ينجرفون ويندفعون وراء الكلام المعسول وبمشاعر
جامحة لا تعرف أين وجهتها وأين مصبها؟! كثيرين ينساقون وراء الأوهام، يعيشون فقط
تلك المشاعر المولودة في لحظتها والغير مُكتملة النضج والوعي! وعند تقلص تلك
المشاعر ورحيلها وفشلها، يتسألون ويعطون لها مُبرراتها الافتراضية والتي ترضيهم أو
تشبع حيرتهم كمحاولة فقط لإقناع النفس مؤقتًا. عجز الرجل مُستقبلا عن حب الفتاة والإخلاص
لها يكون آتيًا من تلك الفكرة الأولية المُتكونة في ذهنهِ عنها والمأخوذة من أخرى
ذوقته تجربة حبّ فاشلة، مما يؤدي بعد حين إلى مأساة وتحطم حياة وفقدان الثقة، ومن
ثم عيش حياة فارغة يتسلل الملل إليها رويدًا رويدًا وربما قد يكتب لها نهاية! لأن
رصيدها في بنك الحياة لم يكنْ سوى تجربة مُتعثرة قصيرة غير مُكتملة النضج، وألم
نحت لنفسهُ في أعماق من عاشها مكانًا!
فالعواطف الصادقة تأتي من الإنسان نفسهُ ومن مُوازنتها، بحيث تعيش الاكتفاء
والاحترام المُتبادل والنضج بدون أوهام وانسياق وراء كلام يحمل الكثير من الكلمات
الفارغة والخالية من النبض الحياتي، ومن تلك النظرة الطابعة في الأذهان والخاطئة
من تجربة فاشلة مُعاشة. فالعواطف لابد أن تكون نابضة بمشاعر إنسانية حيةٍ، تشعر
سامعها بها ويُعيشها في داخلهِ لتعيش وتكبر في أعماقهِ، بالكلام الجميل الغير
مزخرف، وبالبساطة والصدق والأمانة التي هي علامات للعواطف الحقيقية والحية مدى
الدهرِّ. وكلمة واحدة صادقة ونابعة من الأعماق تُغني عن الأكثر الكثير.