الصفحات

Tuesday, August 14, 2012

السعادة رغم مشاكل الحياة

السعادة رغم مشاكل الحياة



سهى بطرس هرمز
منْ مِنا لا يتمنى أن يكون سعيداً والبهجة تملأ حياتهِ، فالسعادة كنز من كنوز الحياة، ولكن كيف السبيْل إليها؟ هل هي من تأتي إلينا، أم نحن من نصنعها؟! أسئلةٌ كثيرة تشوش فكر الإنسان ويريد الحل الشافي لها، أو بالأحرّى أن يفهمها ويستوعبها! السعادة هي غاية لا يمكن لأي إنسان إدراكها لأنهُ لا يستطيع تحديد مكانها وزمانها أو تحجيمها، فهي كائنة في طبيعتنا وإنسانيتنا وحضورنا وواقعنا وقناعتنا وتصرفنا وأيضًا في كل عمل نؤديهِ لأنفسنا أو لغيرنا. سعادة نكون نحن من نخلقها داخلنا وبالتالي نعكسها على الآخرين، بأعمالنا وكلامنا وإحساسنا بمُعاناة الآخرين وأمرهم.
هذا الشخص مثلاً نراهُ: مثقف.... ناجح.... غني.... لديهِ زوجة جميلة.... وبيت جميل وسيارة.... يمتلك كل شيء، ولكن إذا دنونا منهُ وجدنا البسمة شبه غائبة عن شفتيه، ومُتضايق ودائم التوتر، وغالبًا ما يسرح بخيالهِ وكأنهُ فاقدٌ لشيءٍ! كلُ شيءٍ مُتوفر في يديهِ، لكنهُ لا يملك كل شيء! حقق كل شيء مادي في حياتهِ، لكنهُ محروم من أجمل كلمة تُقال ويُنادى بها وهي كلمة (بابا)! أخذ من الحياة ظاهرها، لكن في أعماقهِ نجد أن حياتهِ بلا معنى! مسكينُ إنساننا. تبقى الحياة عجيبة وغريبة، لا تعطي للإنسان كل ما يتمناه، لابد وأن يكون هنالك دائما شيئًا ناقصًا ومفقودًا. فالحياة إذا حققت أي جانب حياتي وإيجابي في الإنسان، يأتي ما لا يمكن أن يخطر ويكون على البال ويُشوش على السعادة أو بجزء منها، لا يوجد شيءٍ كاملٌ وثابتٌ في حياتنا.
وما أكثر المُشتكين من تعسر وجود السعادة في بيتهم، وما أكثر الشاعرين بهروب السعادة من سمائهم، وما أكثر الذين كانوا سعداء لكن غيرهم سرقها منهم بأنانيتهم وعجرفتهم، وما أكثر الذين يمتلكون السعادة وهي بين أيديهم لكنهم لا يرونها بسبب عماء قلوبهم وأضاعوها! وما أكثر الذين تكون السعادة بينهم لكنهم مع ذلك يبحثون عنها في أشياء أخرى تافهة في الحياة! إنساننا مُتناقض، يريد أن يذوق الحياة السامية، فإما أن يبحث عنها في أمور لا تمدُّ لها بصّلة، أو يجدها عند غيره ويأخذها وأما أن يهملها ويُضيعها بإرادتهِ ويستسلم للأقدار! وخاصة في زماننا هذا الذي اختلطت فيهِ مفاهيم السعادة والعلاقات الإنسانية وضاعتْ بين دروّب الحياة.  
فما هي السعادة؟  
ما هي السعادة؟ ما هي الحياة؟ أسئلة كبيرة حيرتْ البشر! كلمتان مُترابطتان مع بعضيهما لكنهما مُختلفتان وبينهما الكثير من التناقض. فلكلمة السعادة وقع في نفسٍ كل سامعها، وقد كثر الجدل حول مفهومها، وكل إنسان لهُ وجهة نظره الخاصة والتي يراها حسّب تذوقهِ وتعايشهُ لها. وإذا أردنا أن نُعطي تعريف مُبسط لمفهوم السعادة، علينا أولاً أن نقول ما هو الإنسان؟
الإنسان: كائن ذو طبيعة جسدية وذو طبيعة روحانية، وهو نفسٌ تمتلك مجموعة من الأحاسيس والمشاعر التي تنبسّط عند الشعور بما يُريحها، وتنقبض عند الإحساس بما يُضايقها. فالسعادة ليست شيئًا ملموسًا، وإنما هي أحساس أو شعور يُلامسَ أعماقنا، فأحسسنا تجاههُ بالارتياح والبهجة. وهذه السعادة نسبية وليست مُطلقة، ويختلف مفهومها من شخص لآخر، كلٌ وحسب درجة استجابتهِ وتقبلهِ للموضوع وفهمهِ لها، فهناك من يرى السعادة في جمع الأموال وغيره يراها في الصحة، وثالث يراها في العاطفة، وفي رأينا المُتواضع نقول إن السعادة تكمْن في غنّى النفس وسموّها عن كل الرذائل. فالبشر جميعًا يختلفون في تحديد مفهوم واحد جامع للسعادة، لكنهم يتفقون جميعًا على أن يحققوها ويعيشوها!
أذن مفهوم السعادة ليس واحد، وإنما يتعدد بحسب المُستجيبين والمُتقبلين لها والفاهمين لها. ولو كانت السعادة مفهوم واحد ومُوحدًا لكان جميع البشر سعداء والحزن نقيضها لا وجود لهُ! لذا ما يحصل لهذا الشخص أو ذاك ويُشعره بالسعادة والمرح، غيرهُ لمْ يحسَ بهِ، لأنهُ لمْ يلمس ذاتهُ، وكذلك من شعر بشعور الأسىّ والحزن غيرهُ لمْ يعرفهُ لأنهُ لم يلمس مشاعرهُ! وهذه في النهاية أقدار تصيب البشر.
فالسعادة إذن نقولها بكلمتين، شعور وإحساس! شعور يُلامس وجدان كل إنسان وتشعره بإحساس سامي يتعدى الوصف والخيال.

هروب السعادة أحياناً:
السعادة كنجم عالي يتلألأ في سماء صافية، ومن الصعب على كل إنسان أن ينالهُ، لأنهُ لا يعرف السبيل إليهِ أو كيف يتملكهُ، وكلما مرت الأيام أبتعد أكثر عن النجم وزادت المسافات بدون أن يدري، إلى إن يفاجأ يومًا باختفائهِ كليًا! فيتسأل: يا ترى لمْا اختفى وضاع فجأةٍ؟!  
الإنسان في هذه الدنيا دائمًا يبحث عن المزيد ويركض ورائهِ ليلا ونهاراً، المزيد من المال، المزيد من النجاحات، المزيد من المناصب، وتمشي به الحياة هكذا، إلى أن يفاجأ يومًا بأن العمر ضاع به وضاعتْ معهُ أشياء جميلة لا يمكن أن ترجع أو صعب إيجادها. فيبدأ بمُلاحظة ومُقارنة نفسهِ بينهُ وبين غيره في أمور وأشياء كثيرة. فمثلا هذه الفتاة أو ذاك الشاب، عندما يكبر يجد نفسهُ تلقائيًا يُقارن نفسهُ وحياتهِ بينهُ وبين حياة الآخرين، فيقول زميلي ناجح وحظيَّ بأمور أكثر مني، جيراننا أسعد منْا، والد صديقي غنيٌّ جداً..... وهكذا.
هكذا الإنسان دائما يُقارن بين ما لديهِ وبين ما لدى غيرهِ، يركز نظرهِ على الأشياء الفانية، على المظاهر الشكلية، ظنًا منهُ أنها هي من تجلب الفرحة لهُ، فيفقد السعادة ومعها يفقد أغلى ما على قلبهِ، ضيعها هو بنفسهِ. فهربتْ منهُ السعادة ولا يجد لها أثر ولو قليل في نفسهِ، هربت إلى هذه الأشياء الشكلية التي لا يمتلكها، وحتى إن امتلكها بعد فوات الأوان فلا يجد للسعادة أثر، لأنهُ لا يمتلكها في داخلهِ.   
فالسعادة ليست في المظاهر والشكليات، وإنما هي كامنة في نفس كل إنسان، يشعر بها بكل قلبهِ ووجدانهِ وتجعلهُ يفرح ويسعد بالأشياء القليلة والبسيطة من حولهِ، هذا إذا كانت روحهُ قنوعة وتُقدر الإنسان من خلال جوهره وليس مظهره، فقيمة الإنسان ليست بما يمتلكهُ.  
و لكل إنسان يريد أن يستشعر السعادة سواء (أنتَ، أنتِ)، فلابدّ من إن تعيش الحياة وتتقبلها بجميع وجوهها وعلى اختلاف أنماطها وإنسانها، لكي تشعر بمرارتها أولاً قبل حلاوتها، والتي من خلالها تذوق قيمة السعادة الحقيقية. سعادةٌ تجدها في داخلك وفي أعماقك وفي روحك، فأبدأ رحلتك من داخل ذاتك وأبحر بها إلى أن تجد الجوهرة المكنونة فيك، وأخرجها وزينَّ بها خارجك لكي تبهر وتُشرقَ للآخرين بنور يعكس منكَ ليدخل أعماقهم. فإذا لم تجدها في داخلك، فلن تراها أبداً فيمن حولك، لأن السعادة شعور ينبعث من دواخلنا ومن قلبنا وليس من خارجنا، فلابد من أن تعود لنفسك لتُدركها وتفهمها وتحبها كما هي.
وهناك الكثير مِمن يشعرون بلذة السعادة رغم ما مروّا به من تجارب ومحنٌّ يصفها البعض بالفشل، لكن رغم ذلك وجدوا طريقهم في هذه المشقات إلى الابتسامة والسلام الداخلي واستشعروا حلاوة السعادة رغم الأشياء البسيطة التي يمتلكونها.   
فالسعادة موجودة فينا ولكن نحن من بيدنا أحيانا نضيعها، فلنبحث عنها أو لنصنعها بأنفسنا ونحن قادرين على ذلك قبل فوات الأوان وانشغالنا بأمور لا تجدي لحياتنا نفعًا، وما أجمل أن نشعر بالسعادة ونسعْد من حولنا. فالسعادة هي مطلب وأمنية كل إنسان في هذا الوجود، وأعظم سعادة هي السعادة الروحية النابعّة من أعماق النفس، وسعادة تجدها عندما تؤدي خدمة لإنسان من كل قلبك، وفي كل ابتسامة على شفتي طفل بريء يبتسم من أعماقهِ ابتسامة صافية للحياة التي ليس لها هدف غير الحياة نفسها.

No comments:

Post a Comment